غربة وطن غدا سأعود .. سأعود للوعد .. سأعود للحلم ..
سأعود لجنة الله في الأرض .. غدا تنتهي عصور الغربة .. غدا أحتضن الوطن و
يحتضنني .. أقبل ثراه .. وأملأ عيني برؤيته بعد طول انتظار ..
يا وطني : طال بعدي و طال اغترابي .. عشرون
عاما أحلم فيك .. عشرون عاما أرسم فيك .. أشكلك كقطعة فسيفساء .. أهبك
ألوان الطيف ..يا أرض الحب و النار .. يا موطن الشهداء و الانبياء و
القديسين و الأبرار ..
اليوم أعود بعد شوق ٍ و سهد ٍ و كثير اصطبار
..
غريبة أرضي .. غريبة
معالمها .. غريبة وجوه الناس و ملامحهم ..
وبدأت لوحتي تنهار .. و بدأو يسرقون ألوانها
.. و يجهضون ضحكة الأطفال فيها .. يقصون أجنحة الفراشات .. يسرقون بيوض
الأسماك .. و يجتثون زهور الأمل ..
في وطني الحلم .. عفواً في وطني ال كان الحلم
..
في وطني الكل خبير في التصنيف .. بدأ من
موظف المعبر انتهاءا برئيس البلد مروراً بخبيرة التجميل في صالونات النساء
و عمال النظافة في الشوارع العامة .. يصنفونك حسب لون بشرتك و استدارة
عينيك .. يصنفونك حسب منطقة سكنك و اسم عائلتك .. يلصقون بك تصنيفات هي
بريئة منك و أنت بريءٌ منها .. وإن جرأت على الإعتراض فالويل لك .. و ما
أدراك أنت ؟ .. أولست مغتربا ً !! .. أنت لا تفقه شيئاً في شؤون البلد ..
نحن نعلم أكثر منك .. بل أكثر من أمك التي ولدتك .. نحن أحق منك بالقرار !!
في
وطني منذ اللحظة الأولى تضع في الميزان .. ويحكم عليك سياسياً ..
اقتصادياًً .. اجتماعياًً .. ثقافياً .. حتى روحانياً.. فهم فقط يعلمون
بباطنك و سرك وعلانيتك .. حتى وإن لم يدم لقائك بهم بضع دقائق !!
في وطني ال كان الحلم يجتمعون عليك كل مساء ..
ليقنعوك بأن كل ما تؤم به من قصص الشهادة و البطولة وهم .. وأن المقاومة
تجارة .. يقع ضحيتها الصغار .. ليقبض ثمنها الكبار ..
ومع هذا في كل بيت ٍ في وطني شهيد .. أو أسير
.. أو مشروع أحدهما !
في وطني تباع القضية على
أرصفة الطرقات .. يعرضها عليك طفل لم يكمل العاشرة .. مقابل الحياة .. ومن
يلومه ؟ أيلام طفلٌ إن حلم يوما برغيف خبز و بيتٍ دافئ و كتبٍ مدرسية ! ..
أتلام عجوز إن صرخت خذو فلسطين و أعيدو لي أبنائي السبعة !!
في وطني الكل يلعن الإحتلال .. و يقاوم إن عاد
الإحتلال مع هذا يتمنون بل يصلون ليعود و يعود أمنه و خيره !!
في وطني الكل عصبي .. الكل على عجل .. الكل
يفترض السوء .. الكل ذاق القهر .. الكل يخشى الغد ..
وفي نفس الوطن أيضا .. الكل محب .. الكل
متعاون .. الكل يأمل بنهار أفضل و سماء ٍ أصفى ..
في وطني الكل يحب الوطن .. يحبه حتى الموت
..حتى الشهادة .. ولكن لا أحد يحبه كفاية ليعيش فيه !
في وطني تتعارك التناقضات .. في وطني يختلط
الأبيض بالأسود .. يتحدان .. يمتزجان .. فلا تعرف بداية لهما من نهاية ..
في وطني يشيخ الطفل قبل أوانه .. و يقطف العنب حصرماً .. فلا أحد يدري إن
كان في العمر بقية !
غريب ٌ أنت يا وطني ..
وغريبة أنا .. و غرباءٌ سكانك فيك !!
عشرون عاما يا وطني .. أحلم فيك .. عشرون عاما
ألعن فيها الغربة بعيداً عنك .. فلماذا غربتي فيك أكبر .. ولماذا وجعي فيك
أعمق .. ولماذا وحدتي فيك لها طعم أمر و لونٌ أكثر سواداً وأنين أكثر
ايلاما ...
غربتي هنا – بعيدا عنك وطني - فيها شيء من حلم .. فيها بقايا
أمل.. أما غربتي فيك .. فهي جرح ٌ نازف .. و ظلام ٌ مستمر لا بصيص للنور
فيه .. فإن آذانا حضن الأم فإلى أين المفر .. وكيف المصير ؟
اليوم يكتمل نصاب عامين منذ أحسست بالغربة على أرض الوطن وتحت
سمائه .. يشدني حنين غريب إليها .. يدعوني للعودة رغم الجرح .يعلو صوته
على صوت الآه .. ولا عجب : ألست من بلد الأضداد والمتناقضات !!